وادي خريطون

خريطون: تقع عند قرية تقوع بالقرب من بيت لحم ينساب فيها جدول صغير يعرف بنهر خريطون. وتكثر في واد خريطون المغاور والكهوف القديمة منها كهف عرق الأحمر و أم قلعة وهما كهفان قديمان يعودان الى عصور ما قبل التاريخ وأقدم الكهوف كهف أم قطفة الذي يعود الى العصر الحجري وتتوفر في الوادي الكثير من الينابيع وهي كهوف قديمة عاشت فيها عائلات ما قبل التاريخ هناك بحوالي 80000 قبل الميلاد حيث تشير البحوث أن الكهوف الأصلية هدمت أثناء الحفريات حيث كانت الحياة فيها أول مرة استخدمت فيها النار في فلسطين منذ العصر الحجري الأول 500000 – 120000ق . م ويدل على ذلك الحجارة القرنية والشكل الدائري حول المواقد التي لا تزال في عصر الجليد وهذه الكهوف تستمتع بحياة تشبه أوروبا اليوم والأرض المحيطة بالكهوف كانت خضراء ومليئة بالحيوانات والوادي كان نهرا .
بين أحضان جبال القدس الجنوبية يقع وادي خريطون الذي يعتبر جزءاً من وادي تقوع الكبير، الذي يبلغ طوله 7 كم والقائم على بحيرة من الماء العذب الذي يمد معظم الينابيع المجاورة بالمياه ويعتبر دون منازع المصدر الأساسي الذي يمد الضفة الغربية بالمياه. ويسير هذا الوادي باتجاه الجنوب حيث يعرف باسم وادي خريطون. ثم يغير اتجاه سيره نحو الشرق حيث يعرف باسم مرباعة ويتابع امتداده باتجاه الشرق حتى ينتهي به السير عند البحر الميت ويعرف باسم درجة.

الراهب خريطون

عرف وادي خريطون بهذا الاسم في مطلع القرن الرابع الميلادي نسبة للراهب المتعبد خريطون القادم من مدينة نيفيا التي تعتبر من أراضي الدولة التركية اليوم حيث ضرب هذا الراهب في أودية فلسطين يتقرب من جداولها وعيونها وينابيعها وكهوفها متعبداً لربه تاركا ملذات الحياة ونعيمها. في عمق وادي خريطون حيث الحجارة الملساء يجري جدول صغير يعرف بنهر خريطون الذي شهد التاريخ على غزارة مياهه التي يستمدها من المياه الجوفية ومياه الأمطار الوافدة إليه من الجبال المتجاورة. وقامت على ضفافه الحضارات المتعاقبة، وانتشرت الطواحين على جنابته على امتداد مجراه حيث كانت تسير بقوى الرياح مما حدا بالشعوب التي سكنت الوادي إلى تسميته بوادي الطواحين ولعل الآثار المتبقية إلى يومنا هذا خير شاهد على ذلك. ويصل عرض نهر خريطون في بعض الأماكن إلى عشرة أمتار ويضيق إلى ثلاثة أمتار في أماكن أخرى وما زالت الصخور المنحوتة بفعل عوامل الحث والتعرية والحصى الصغير الملساء خير دليل على صحة هذا الرأي.

إن الدارس لعلم الآثار إذا ما مر بوادي خريطون الذي يبعد عن جبل هيرودس 2 كم قد تستوقفه وتسترعي نظره عدة أمور أهمها: الكهوف, والمغاور القائمة على جنب الوادي وسفوح الجبال وقممها التي صممتها الطبيعة أجمل تصميم فاستفاد منها الإنسان الأول ومنها ما بناها الإنسان في فترة ما قبل التاريخ حيث تباينت هذه المغاور في طرق بنائها وإعدادها مما يلائم احتياج الإنسان أو طرق تفكيره أو إبداعه. وقد اختلفت هذه المغاور في هندستها وطرق بنائها فحملت طابع الهندسة اليونانية طوراً والرومانية تارة أخرى وقد تجد بصمات لحضارات أخرى عقبت هاتين الحضارتين. مما يؤكد تعاقب الحضارات على تلك المنطقة الخصبة. وإن جوهر الاختلاف بين هذه المغارة أو تلك يكمن في اختلاف بناء وشكل الأبواب والنوافذ والسقوف والجدران. أما الدير الذي بناه خريطون في القرن الرابع في وادي خريطون فبقي بلا سكان حتى القرن الثاني عشر باستثناء بعض الرهبان الذين أقاموا فيه فترات محدودة وقاموا باتصالات مع رهبان دير مار سابا رهبان آخرين عاشوا في كهوف وادي خريطون أمثال الراهب (افتيموس) في القرن الخامس الميلادي. أما الراهب خريطون الذي ورد ذكره فهو راهب متعبد من مدينة نيفيا إلى قيصاريا على الساحل الفلسطيني في عهد الإمبراطور ادرليان الذي لمع ذكره في اضطهاد المسيحيين في القرن الرابع الميلادي. وبعد وفاة الإمبراطور حاز المسيحيون على حريتهم في ممارسة شعائرهم الدينية واغتنم خريطون هذه الفرصة فاتجه إلى مدينة القدس لزيارة قبر السيد المسيح عليه السلام وهناك تم اختطافه من قبل قطاع الطرق ونقلوه إلى مغارة عين فارة شمال شرق عناتا إلا أن مشيئة الله أبت أن يقبع هذا الراهب في سجنه حيث توفي المختطفون اثر حادث تسمم أودى بحياتهم. فعزم خريطون على إقامة أول دير له في عين فارة في المكان الذي أسر فيه. وبعد أن استقر خريطون في ديره وهدا باله قام بزيارة لمدينة أريحا حيث أعجب بمنطقة عين ديوك وصمم معلى إقامة دير آخر له في تلك المنطقة ثم اتجه لوادي تقوع وبدأ هناك نشاطاته من جديد لبناء دير ثالث له في إحدى المغاور الكبيرة. طيور الوادي وحيواناته تعتبر منطقة وادي خريطون من أروع المناطق في فلسطين والتي يمكن زيارتها وخاصة في فترة الربيع حيث إنك تشاهد بعض الكائنات الحية البرية من نباتات وحيوانات وطيور. ومن بين الحيوانات التي تعيش فيه الوبر الصخري. والثعلب الأحمر بعض العينات من إبر النيص كدليل على جود القنفد. الطيور: اليمامة المطوقة والعادية وبعض أنواع الطيور الجارحة مثل الشاهين .الصقر، البومة النسرية، الحجل الشنار. أما النباتات التي تعيش في وادي خريطون فعي أنواع كثيرة وأهمها السوسن ذات اللون البني وتمتاز المنطقة بوجود عيون ماء وجميعها ضعيفة في المستوى الحاضر.
و من نباتاتها السوسن - العنصل البحري - البري - اللوف - اللوف الفلسطيني - الخرفيش - الشيح فضلا عن السرو - الصنوبر - الكينيا
و من طيورها اليمامة المطوقة - العارية - العصفور - البومة النسرية - الحجل - الحسون - اللقلق (ابو سعد) و من حيواناتها الوبر الصخري - الثعلب الأحمر النيص - الضبع - الثعلب - الذئب - الأفعي الفلسطينية

إذا كنت مغامرا محبا للطبيعة، وتعيش في فلسطين، فانه قد ينتظرك الاعتقال أو الموت، فالأجواء السياسية تخيم على كل شيء، وهو ما حدث مع مجموعة فتيان وفتيات من عشاق استكشاف الطبيعة في الأسبوع الماضي.واستجاب هؤلاء بفرح لدعوة جمعية الحياة البرية في فلسطين، للذهاب في رحلة أشبه بمغامرة محفوفة المخاطر، إلى مغارة (خريطون) التي تقع في برية القدس في منطقة محاطة بعدة مستوطنات، ومناطق تدريب عسكرية.
والذهاب إلى تلك المنطقة التي شهدت أولى الحضارات البشرية، في ظل هذه الأجواء كان يكتفنه دائما صعوبة كبيرة، ولكن الوصول إلى هناك خلال انتفاضة الأقصى اصبح من المستحيلات على الفلسطينيين،
وتحاول افراد عائلات فلسطينية قليلة تسكن في المنطقة وتعيش حياة قريبة من حياة البدو سجناء منازلهم، مع إحاطتهم بالمستوطنات من كل جانب وسهولة ما أطلق عليه الدوس على الزناد الذي ميز ممارسات المستوطنين وجنود الاحتلال خلال هذه الانتفاضة.
واصبح الوصول إلى المغارة الضخمة حلما لكثيرين، فهي تعتبر من المناطق غير المكتشفة بشكل كامل، رغم الاهتمام الذي تبديه بشأنها السلطات الإسرائيلية المختصة، وعادة لا يتجاوز المغامرون عندما يدخلون إليها اكثر من 350 مترا، رغم أن طولها اكثر من ذلك بكثير، مما يستوجب عملية استكشاف واسعة لها من جهات عالمية مستقلة.
واكتسبت المغارة اسمها من قديس مسيحي عرف باسم خريطون وأقام في تلك المنطقة نحو عام 400 ميلادي، حيث انتشر النساك في برية القدس، الذين هربوا من الاضطهاد الروماني، قبل أن تصبح المسيحية ديانة الإمبراطورية الرومانية الرسمية، وعثر عام 1928م في المنطقة التي تدعى وادي خريطون، على بقايا ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ، واكتشاف النار.
ويقول عماد الأطرش المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية في فلسطين الذي قاد المغامرين "يعتبر وادي خريطون بالإضافة إلى جبل الكرمل من اقدم مواقع العالم الذي سكنه الإنسان الحجري، مستخدما في حياته اليومية أدوات حجرية كالسكين، حيث وجدت أدوات حجرية كثيرة تدل على وجود الإنسان الحجري الأول في هذا الوادي".
وفي موقع هذا الوادي توجد عشرات المغر والكهوف أهمها كهف (عرق الأحمر) وعاشت فيه جماعات في فترة ما قبل التاريخ (800 سنة ق.م) وكهف (أم قلعة) وهو يعتبر نموذجا حيا للكهوف التي عاش فيها الإنسان قبل التاريخ، وهذا الكهف هو أهم الكهوف على الإطلاق ويعود للعصر الحجري الأول (50000-120000 ق.م).
ويمكن الاستنتاج من الكهوف المتعددة، وبقايا البنايات الحضرية، وحجارة الفسيفساء المتنوعة المتناثرة التي تعود لبقايا بنايات وكنائس على الحضارة الرومانية والبيزنطية التي شهدتها المنطقة.
وفي عمق الوادي تأسر الحجارة الملساء المغامرين الصغار، التي يجري عليها نهر من المياه الجوفية ومياه الأمطار التي تغذيه الجبال المجاورة في فصل الشتاء، وتصب في البحر الميت، ولكن الشواهد تدل على أن الوادي كان غزير المياه في السابق وتكاد الحجارة التي شكلتها المياه أن تنطق بذلك، وكذلك معلومات الأثرين الذين يؤكدون بان الطواحين المائية انتشرت على جنبات الوادي وعلى امتداد صحرائه.
وكان الأطرش وزميله إبراهيم فوزي يقودان المغامرين في تلك البيداء المقفرة و ذات التضاريس المتنوعة ويقدمان شرحا عن الحيوانات والطيور والأزهار المنتشرة في برية القدس ومن بينها الثعلب الأحمر والضبع و الوبر الصخري وأنواع مختلفة من الأفاعي، وزهرة السوسن السوداء بالغة الجمال التي اختارها الأردن زهرة وطنية له، وهي لا تنبت إلا في فلسطين، والأردن وربما باقي بلاد الشام، وهي مهددة بالانقراض.
وكان الوصول إلى المغارة بعد جهد ليس الاختبار الأهم لقدرة التحمل لدى المغامرين، ولكن الجرأة على الدخول إلى المغارة هي اختبار مهم، حيث العتمة القاسية ومن ثم البدء بمغامرة اكتشاف أنفاق ودهاليز المغارة بمساعدة الشموع، والحبال المثبتة مسبقا على ارض المغارة وحيطانها.
واختار كثير من المغامرين البقاء في مدخل المغارة حاملين الشموع، بينما انطلق الباقي خلف عماد الأطرش، ومعظمهن من الفتيات اللواتي أبدين شجاعة اكثر من زملائهن الفتيان، حاملات الشموع التي لم تفلح دائما في كسر حدة العتمة، وزحف الجميع على البطون في نفق طوله نحو 15 مترا واكبر ارتفاع له نصف متر.
وفي نهاية هذا النفق، يوجد حاجز صخري ثم منطقة نزول قوية إلى ما يعتقد انه البئر الرئيسي في المغارة، ويتم النزول إليه بالحبال ويبقى خطر الانزلاق والسقوط مخيما بوجود الحجارة الملساء التي كونتها الطبيعة خلال ملايين السنين.
وبعد النزول في البئر المتسع، والتقاط الأنفاس، يشعر المغامرون بنداء خفي ملح يدعوهم لإكمال الطريق، فينطلقون بحماس، يعززه الثقة باجتياز المرحلة الأولى الأصعب، إلى نفق آخر طوله 16 مترا ويتراوح ارتفاعه بين 120-150 سم وعرضه 60 سم.
و يقود هذا النفق المتعدد الفتحات والمسارب والكوات إلى بئر أو مغارة أخرى، ولم يستطع المغامرون مواصلة رحلة الاستكشاف، فخلفهم كان زوار جدد للمغارة من المستوطنين اليهود الذين جاؤوا مسلحين إليها من مناطق مختلفة، وبحراسة وفرها الجيش الإسرائيلي، وطلب منهم المغادرة، ليجدوا المشهد خارج المغارة مختلفا عما تركوه، حيث طوقت المغارة من الجيش الإسرائيلي ووقف وسط الجيش متنزهين إسرائيليين وإسرائيليات، رفضوا الدخول إلى المغارة عندما علموا بوجود فلسطينيين داخلها، فاحضروا الجيش لإخراجهم مخفورين، ليتمكنوا هم من الدخول إلى المغارة والخروج منها وهو ما حدث، تم إخراج المغامرين الفلسطينيين تحت فوهات البنادق المشرعة، والتشديد عليهم بعدم العودة مرة أخرى، بينما احكم الجيش الإسرائيلي طوقه على المغارة لحماية المستوطنين الذين دخلوا إليها.

ولا يريد المغامرون تذكر ما حدث في نهاية المغامرة، أو التحدث عن أساليب ما يصفونها بالقمع الذي استخدمها الجنود الإسرائيليين بحقهم، واحتفظوا فقط بنشوة تمكنهم من الوصول إلى إحدى مناطق بلادهم التي قد لا يستطيعون الوصول إليها مرة أخرى، ومضوا وحيدين في تلك البيداء التي دب عليها طوال قرون أنبياء ومغامرون وأفاقون وفاتحون ورحالة ومحتلون أيضا.