وقد سنحت له فرصة ذهبية منة 1965 وذلك عندما انتدب ليكون عضوا في بعثة علمية مولها متحف شيكاغو للتاريخ الطبيعي في أفغانستان حيث عين خبيرا للحيوانات الفقارية في تلك البعثة. واستمر ستة اشهر قد وجد هنالك مجالا واسعا جدا للدراسة والبحث العلمي، الأمر الذي كان له ابرز الأثر في تنمية مواهبه، وتطوير معارفه وخبراته العملية.
وقد انتدب خبيرا في الحيوانات الفقارية في البعثة الدولية – الأردنية التي شكلت لدراسة الأحياء في مشروع الازرق بالأردن سنة 1966، كما انتدبته وزارة الزراعة الأردنية ليكون مستشارا في علم الأحياء للجنة التي أنيط بها مشروع إسكان البدو وتوطينهم في منطقة الحفر في الجنوب الشرقي من الأردن.
ولما كان طموح عالمنا يفوق بكثير ما حصل عليه من معارف وعلوم فقد سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية منة 1966 حيث عين أستاذا مساعدا في علم الأحياء في جامعة كونيكتكت في مدينة ستورز. وهنالك بدأ يعد أبحاثه لتقديم أطروحة الدكتوراه وبالفعل فقد نوقشت سنة 1969 أطروحته التي كانت بعنوان " الحيوانات الثديية في منطقة شرقي البحر المتوسط "، ونال بذلك شهادة الدكتوراه.
عمل بعد ذلك خبيرا في قسم الحيوانات الفقارية في معهد سمشونيان التابع للمتحف الوطني الأمريكي/واشنطن. وفي أثناء عمله في هذا المعهد استطاع أن يجمع عددا كبيرا من العينات الحيوانية وذلك من صحراء تكساس وغيرها من المناطق الأمريكية، الأمر الذي أغنى هذا المتحف بعينات لم تكن موجودة فيه أصلا.
لقد ركز عالمنا جل اهتمامه في دراسة حيوانات منطقة شرقي البحر المتوسط، لذلك فأنه ترك الولايات المتحدة الأمريكية لكي يعمل أستاذ زائرا لتدريس علم الأحياء في جامعة بهلوى بمدينة شيراز في إيران. وقد أتيحت له الفرصة هناك للقيام برحلات علمية واسعة لدراسة البيئة والحيوانات الطبيعية، وجمع في رحلاته نماذج كثيرة من الحيوانات، لها بناءا واسعا في الجامعة وعكف الدكتور سنا على ترتيبها وتصنيفها وتنميتها حتى غدت متحفا كبيرا يعتز به.
ولكن بينما كان الدكتور سنا ناشطا في عمله هذا كانت له الأقدار بالمرصاد، إذ حدث أنه بينما كان في إحدى رحلاته العلمية تلك اصطدمت سيارته الخاصة بشاحنة كبيرة كانت قادمة من تركيا وقد أجهد سائقها التعب وطول السهر، فانقلبت سيارة الدكتور سنا ولقي حتفه على الفور في صباح يوم 17 كانون الثاني منة 1970. وقد أطلقت جامعة بهلوى أسمه على المتحف الذي أنشأه فيها.
وهكذا وضعت الأقدار نهاية أليمة لقصة نضال علمي جاد ومثابر قام به شاب طموح استطاع قبل أن يستكمل السابعة والعشرين من عمره أن يستكشف الكثير من حقائق علم الأحياء وضعها نبراسا أمام العلماء والطلاب في جميع أنحاء العالم.
لقد مضى الدكتور سنا عيسى عطاالله، ولكن العلم الذي درسه وأضاف إليه إضافات قيمة لا يزال شاهدا على قوة الأثر الذي تركه في مجال اختصاصه، ولا سيما في بحوث الحيوانات الثديية في الشرق الأوسط.
مقالاته العلمية:
إن الخبرة العظيمة التي اكتسبها الدكتور سنا عطاالله في أثناء رحلاته ودراسته قد أهلته لكتابة مقالات عديدة تعتبر الآن من أهم المراجع العلمية في موضوع علم الثدييات في منطقة الشرق الأوسط، وقد نشرت هذه المقالات في أكبر المجالات العلمية التي تعنى بمثل هذه الأبحاث.
لقد نشرت مقالته الأولى عام 1966 بالتعاون مع البروفسور روبرت لويس وفيها بثت وجود حيوان الغريرة (HONEY BADGER ) في منطقة شمال شبه الجزيرة العربية في منطقة بدنة وقد قام الدكتور سنا بدراسة دقيقة لهذا الحيوان ذكر فيها أوصافه وقياساته وأوجد التشابه بينه وبين مثيلاته في أوروبا.
وفي سنة 1976 نشر الدكتور سنا عطاالله مقال ثان وصف فيه نوعا جديدا من الفئران الشائكة
( Spiny mouse ) من جنس أكومس ( Acomys ) كان قد وجده في المنطقة الشمالية الغربية من البحر الميت/فلسطين بالقرب من مغاور قمران الأثرية وقد دعا هذا النوع من الحيوان باسم أستاذه وصديقة الدكتور روبرت لويس ( Acomys lewisi ). ولكي يثبت أن ما وجده هو حيوان جديد لم يدرسه أحد من العلماء قبله فقد اصطاد عشرة أفراد منه ( 8 ذكور وأنثتان ) واستخرج معدلات مقاساتها وقارنها مع الأنواع الأخرى الموجودة. وقد اعترف له العالم بهذا الاكتشاف حيث ذكر الدكتور هاريسون في كتابه عن الثدييات في المنطقة العربية ( the Mammals of Arabia ) هذا الاكتشاف وأكده أيضا.
وخلاصة لرحلة الاستطلاع التي قام بها في منطقة الأزرق قدم الدكتور سنا عطاالله مقالته الأخرى في سنة 1967 والتي وصف فيها أنواع الثدييات والزواحف والبرمائيات التي تقطن في هذه المنطقة مع التصنيف الدقيق لكل منها وبخاصة الثدييات. وقد أوضح المؤلف المواقع والظروف البيئية الأساليب التي التقطت فيها العينات الحيوانية الحية. وقد استخدم لذلك أنواعا مختلفة من المصائد والطعومات التي كان يضعها ليلا لاصطيادها. ومن هذه الحيوانات الثديية – القنفذ، الزبابة ( Shrew ) الخفافيش المختلفة، أبن آوى
( Jakal ) الثعلب الأحمر، الضبع، القط البري، الغزال، الأرنب البري، اليربوع، الفئران المختلفة، وغيرها.
وقد أثبت د. سنا عطاالله في هذه المقالة وجود بعض أنواع الحيوانات الثديية في الأردن وذلك لأول مرة في المراجع العلمية الحديثة المتعلقة بالحيوانات الثديية في منطقة الشرق الأوسط.
وبالتعاون مع الدكتور لويس وزوجته قام سنا عطاالله بدراسة مستفيضة للأرانب والقوارض
( Lagomorpha, Rodentia ) في جمهورية لبنان. وقد جاءت هذه الدراسة نتيجة لبحث علمي دقيق استمر سبع سنوات في جبال وسهول لبنان.
ويقدم الدكتور عطاالله والدكتور لويس وزوجته وصفا دقيقا لتسعة عشر نوعا من الأرانب والقوارض في لبنان منها 15 نوعا توصف للمرة الأولى بدقة، وأربعة أنواع أخرى كانت قد وصفت سابقا. وقد تضمن الوصف جميع المقاييس الممكنة لهذه الحيوانات مع بيان أماكن سكناها على خارطة لبنان. وقد أرفق المؤلفون هذه المقالة بمفتاح تصنيفي يستطيع العلماء بواسطته تحديد أنواع الأرانب والقوارض.
وفي الدراسة الميدانية للحيوانات الثديية في منطقة الجفر جنوب شرقي الأردن قام الدكتور سنا عطاالله بجمع 75 عينة حيوانية تم تثبيت 55 منها على شكل جلود جافة. وتمثل هذه العينات 12 نوعا مختلفا من الحيوانات الثديية موزعة على أربع رتب هي – آكلات الحشرات( Incsectivora آكلات اللحوم
( Carnivora ) الأرانب ( Lagomorpha ) والقوارض ( Rodentia ).
وفي مقالة أخرى نشرت سنة 1967 قدم الدكتور عطاالله تسجيلا آخر عن الحيوانات الثديية في شبه الجزيرة العربية ركزت الدراسة فيها على القوارض والخفافيش وآكلات الحشرات. وقد اعتمد في هذه الدراسة على جمع العينات من مناطق مختلفة في جنوب الأردن وعمان وشمال العربية السعودية. وتشمل هذه الدراسة أنواعا مختلفة من هذه الحيوانات مع إعطاء الوضع التصنيفي الكامل لها وذلك اعتمادا على القياسات المختلفة لهذه الحيوانات.
وفي الدراسة التي استمرت سنوات في لبنان قام الدكتور عطاالله بالتعاون مع الدكتور لويس وزوجته بنشر " مراجعة للحيوانات الثديية في لبنان " وذلك سنة 1968 إضافة إلى ما نشر في العام الذي سبقه. وفي هذا البحث قدم المؤلفون وصفا دقيقا لثمانية عشر نوعا من الحيوانات معظمها من آكلات اللحوم. وقد اعتمد المؤلفون على جمع العينات الحية حينا وعلى دراسة الحيوانات الحية في الطبيعة أحيانا أخرى. ويبرز هذا العمل صورة واضحة عن الحيوانات الثديية التي تقطن لبنان وخصوصا تلك الأنواع التي هي بحاجة ماسة إلى رعاية حكومية لمنع اصطيادها وبالتالي إدخالها في الكتاب الأحمر ( Red Data Book of the World Wildlife fund ).
وبالتعاون مع صديقه الدكتور هاريسون قام الدكتور عطاالله بنشر مقالته العلمية المتعلقة باليربوع (Jerboa ) سنة 1968. وفي هذه المقالة يحدد الكاتب نوعين من اليربوع وذلك بعد دراسة مستفيضة جدا من تركيا وسوريا والأردن والكويت والعراق وإيران وأفغانستان. وتعتبر هذه الدراسة مرجعا علميا حقيقا عن الوضع التصنيفي لحيوان اليربوع في منطقة الشرق الاوسط إذ اعتمدت على دراسة 71 عينة مكونة من جلود وجماجم تلك الحيوانات موزعة في متاحف لبنان وبريطانيا وأمريكا.
وفي نيسان 1970 نشرت للدكتور سنا عطاالله دراسة علمية عن اكتشافات تحت/ نوع (Subspecies) جديد من الفئران الذهبية الشائكة ( Golden Spiny Mouse ). وقد دعا الدكتور عطاالله هذا البحث/ نوع الذي اكتشفه في المنطقة الجبلية الممتدة بين مغاور قمران وعين الفشخة على البحر الميت باسم صديقه العالم المعروف الدكتور دافيد هاريسون ( Acomys russatus harrisoni ) الذي درس الحيوانات الثديية في الشرق الأوسط وألف في ذلك الموضوع كتبا كثيرة.
واستكمالا لدراسة الحيوانات الثديية في لبنان فقد نشر الدكتور عطاالله في نيسان 1970 بحثا علميا تضمن دراسة مستفيضة عن الخفافيش في لبنان. وقد أتضح له في الدراسة أن هنالك نوعين آخرين من هذا الحيوان هما ( Mayotis matteriri ) و ( Myotis capaccini ) بالإضافة إلى النوعين الآخرين اللذين كانا قد وصفا في لبنان سابقا وهما ( Myotis blythi ) و ( Myotis Myotis ) وأنه لا يوجد أبدا النوع الأول في لبنان مطلقا.
هذا وقد تكللت أبحاث الدكتور سنا عطاالله بأطروحة الدكتوراه الني نشرت وعممت في جميع أنحاء العالم عندما تولت مجلة " المعلومات عن الحيوانات الثديية الألمانية ( Mammalogical Information ) نشر أطروحته كاملة في عددين من أعدادها الأول في نيسان 1977 والثاني في كانون الثاني سنة 1978.
لقد تضمنت أطروحة الدكتوراه دراسة مستفيضة للحيوانات الثديية في كل من الأردن ولبنان وسوريا وفلسطين، مهد لها بدراسة واسعة جدا للمراجع العلمية عن ما كتب عن الحيوانات الثديية في هذه المنطقة.
وقد زود الدكتور عطاالله أطروحته بصورة واضحة عن طبوغرافية هذه المنطقة وذلك بأن قسمها إلى مواقع جغرافية مختلفة هي – السهل الساحلي ويمتد من الحدود السورية – التركية شمالا إلى مدينة رفح جنوبا، المرتفعات الغربية، منطقة الأغوار، المرتفعات الشرقية والصحراء السورية الأردنية.
كما قدم صورة واضحة عن الطقس في هذه المواقع الخمسة لما في ذلك من علاقة وثيقة بمعيشة الأنواع المختلفة من الحيوانات الثديية. فقد بين تغير درجات الحرارة ونسبة الرطوبة والأمطار عبر أشهر السنة المختلفة.
وقد تضمنت أطروحة الدكتوراه هذه دراسة لنحو ثلاثة آلاف عينة حيوانية جمع معظمها بنفسه من أماكن مختلفة في سوريا والأردن ولبنان. وتنتسب هذه الحيوانات إلى 94 نوعا وإلى مئة تحت / نوع. وقد قدم الدكتور سنا عطاالله دراسة مفصلة عن سبعين نوعا من هذه الأنواع إلى الرتب التالية:
1. آكلات الحشرات Insectivora
2. الخفافيش Chiroptera
3. الأرانب Lagomorpha
4. القوارض Rodentia
أما الأنواع الأربعة والعشرون الباقية فقد تضمنت الأطروحة دراسة مختصرة عنها وهي تنتمي للرتب التالية:
كما أستطاع المؤلف أن يضمن أطروحته مفتاحا تصنيفيا للعائلات وتحت / العائلات والأجناس والأنواع
( Families, subfamilies, Genus, Species ) لكل من الرتب السابقة مما يفسح المجال أمام الباحث العلمي للتوصل إلى تصنيف الحيوانات بسرعة وبسهولة.
وقد تضمنت الأطروحة الصور اللازمة للحيوانات والأماكن التي التقطت منها، كما زودت بالخرائط الجغرافية التي تبين توزيع هذه الحيوانات في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك الرسوم البيانية والجداول الرقمية للقياسات للحيوانات التي تمت دراستها.
إن مأثرة الدكتور سنا عطالله عظيمة ويذكرها وي قرها في الوقت نفسه جميع علماء الحيوان في العالم. فقد احتوى المجلد الثالث مثلا من كتاب الحيوانات الثديية في الشرق العربي لمؤلفه الدكتور دافيد هاريسون ما يزيد على مئتي استشهاد بأعمال الدكتور سنا عطاالله.
وقد اعتبر فقده خسارة كبيرة في جميع أنحاء العالم.
وقد كتب العالم الجغرافي هانس كومرلويفي – مدير متحف التاريخ الطبيعي في مدينة ميونخ بألمانيا الغربية مقالا بمناسبة مرور ثلاث سنوات على وفاة العالم العربي الفلسطيني الكبير الدكتور سنا عطاالله نشرته مجلة " الأنباء العلمية في علم الحيوانات الثديية " التي تصدر في ميونخ وذلك في عدد شهر آذار من سنة 1973 – أن الضآلة النسبية في عدد من العلماء يبرزون وتلمع أسماؤهم في علم الأحياء في العالم تجعل الخسارة تفقد أي منهم ملموسة وفادحة. ولقد كان العالم " العلمي " يتطلع بأمل كبير إلى هذا النجم الذي لمع بقوة على حداثة سنه، والذي كانت منجزاته العلمية إلى ما قبل وفاته تبشر بخير عظيم. ومن هنا فقد كانت وفاته وهو في السن المبكرة كارثة كبرى لا تعوض، ليس لذويه وأصدقائه فحسب، وإنما للعالم كله أيضا.
" وأنه لما يزيد الخطب فداحة أن يكون هذا النجم الذي لمع ثم ما لبث أن أفل منتميا إلى شعب لم يكن بين أبنائه من يمثلهم في هذا الحقل تمثيلا صحيحا غيره. "
" لقد كانت الأبحاث والدراسات في علم الأحياء بمنطقة الشرق الأوسط مقتصرة في الغالب على الضيوف والأجانب حتى جاء هو يركز أسس هذه الدراسة ويتقصاها، ولقد بلغ في أبحاثه ودراساته مستوى عز أن يصل المرء إليه حتى لو بلغ سنا متقدمة من حياته ".
وقد دعا العالم البريطاني الدكتور هاريسون أحد أنواع الأرانب البرية التي أكتشفها باسم الدكتور سنا عطاالله تقديرا لجهوده واعترافا بالمستوى العلمي الذي بلغه
( Lipus capensis at atallhi ).
خاتمة:
وبعد، فقد غادرنا هذا العالم الفذ وهو في ريعان الشباب، لا بل وهو في بداية مرحلة عطائه العلمي، فإذا كان ما قدمه هو البداية فكيف يكون الحال لو أن القدر أمهله ولم يفاجئه بتلك النهاية المفجعة.
لقد عز نعيه على جميع معارفه من العلماء في جميع أنحاء العالم، وما يزال متحفه ومختبره في بيته ببيت ساحور مزارا عاما يرتاده طلاب المدارس والجامعات في المنطقة، حيث أن هذا المتحف مسجل رسميا ضمن المتاحف العالمية للتاريخ الطبيعي.
وقد خطا والده المربي الكبير المرحوم الأستاذ عطاالله خطوة جبارة في الآونة الأخيرة عندما وضع ثروته التي جمعها عبر سنوات الشقاء الطويلة بين يدي مجلس أمناء " مؤسسة الرعاة/ عيسى عطاالله الخيرية " التي تضع نصب عينيها إقامة متحف الدكتور سنا عطاالله للتاريخ الطبيعي في بناء واسع يستطيع استقبال الزوار طوال العام ليكون شاهدا مدى الدهر على النشاط الكبير الذي بذله هذا العالم الفلسطيني الشاب في سبيل رقع اسم بلاده عاليا حين درس الحيوانات الثديية في الشرق الأوسط دراسة مستفيضة.