أزمة الكورونا فضحت عيوبنا

أزمة الكورونا فضحت عيوبنا

من ضمن الأمور التي لفتت الانتباه في أزمة الكورونا انه قبل زمن الكورونا  كان الناس في فلسطين يتسابقون ويتباهون بالصرف والشراء والمبالغة في المناسبات.  وانا لا اتحدث عن ضروريات إنما اتحدث عن كمال الكماليات . فعندما اجدّد سيارتي وهي جديدة ، وعندما أغيّر اثاث منزلي وهو لا يعاني شيئا إنما للتجديد وتغيير النفسية ، وعندما نذهب سنويا الى رحلات استجمام في الخارج ، واحيانا أكثر من مرة لنفس المواقع وتُصرف فيها مبالغ كبيرة .نقترض أحيانا من أجل تلك الرحلات ، نقترض لتجديد السيارة الجديدة .نقترض للمباهاة في كل المناسبات الكبيرة والصغيرة ، وكأن افراحنا مرتبطة بكمية ما نصرف من مال لتلك المناسبة . لقد كانت هذه  المناسبات  تجلب لنا الفرح ولكنها كانت أيضا تترك هموما مالية لصاحب المناسبة وينال المدعو جزءًا  منها .

وكم من الحوارات والمبادرات التي حدثت وخاصّةً من الديوان الثّقافي السّاحوري  بخصوص الأعراس والتكلفة المبالغ فيها غير الضرورية، وتحمل العريس فوق طاقته ليبقى سنوات يسدد ديون العرس ـجراء المظاهر من ورود وبدلات   وقاعات ، وسهرات عديدة التي لا داعي لها بهذا الحجم وتلك المبالغ الباهظة  ولكن جاءت كلّها دون جدوى  . كذلك حفلات التوجيهي  قبل النتيجه بإنهاء مرحلة الثانوية في المدرسة، وبعد النتيجة لإنهاء مرحلة الثانوية الرسمية  وأيضا الجامعات    وحفلات التّخرّج   والمعازيم الكثيرين من دائرة المعارف الواسع لتصل أحيانا وكأنها سهرة عرس .

لا أريد ان اطيل بذكر المناسبات العديدة الكثيرة المظاهر والتكاليف  غير الضّروريّة والتي تجعل من المناسبة  حملًا ثقيلًا ماديًّا لصاحبها   فعندي الكثير منها  . وللأسف الكل كان يجاري الوضع  الغني والفقير وراء مظاهر كذابة تنتهي في حالات كثير بمصائب مالية تؤدي الى خلافات بين  الزوجين لاحقًا . ما لفت النظر عندما جاءت الكورونا لتفضح عيوبنا حيث منذ الأسبوع الأوّل للتوقف عن العمل والحجر في المنزل بدأت العديد من الاصوات تستغيث من قلة مصادر الدخل للأسرة .فعلي سبيل المثال هذا ما حصل في  مدينتي التي أحب  بيت ساحور  وهي من المدن التي يبالغ  أهلها في الصرف في المناسبات . وكنت اظن كغيري بأن أغلبية سكان بيت ساحور مقتدرون ماديًّا فهم نشيطون ويعملون في مجالات مختلفه ويحرصون على الرفاهية في العيش  ولكنّني فوجئتُ من أن قائمة المحتاجين للحياة الأساسية في ازمة الكورونا 350 عائلة .صدمني ذلك  الرقم وما كنت أتخيل أن يتجاوز الرقم 50 عائلة محتاجه بشكل حقيقي بعد الأسابيع الأولى للازمة .ما كنت اتخيل التسابق على المساعدات أو لنقل الإسناد  فالجميع كان يعمل ، لكن كورونا كشفت أن الأغلبيه كانت تصرف بقدر ما تكسب ، ولم يكن للادخار جانب مهم للأسرة . لهذا سمعنا الصراخ في الأسابيع الأولى .وهنا لا اتحدث فقط عن بيت ساحور انما عن كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية والا ما سبب مخاطرة العمال وذهابهم للعمل داخل المحتل لولا الضائقة المالية المبكّرة .

السؤال الاهم عندما تنتهي الكورونا وبعون الله سوف تنتهي. هل نتعلم الدروس؟هل نتعلم ان نحفظ قرشنا الأبيض لليوم  الأسود كأيّام الكورونا السوداء صحيًّا واقتصاديًّا ؟.

فعندما ننتهي من الكورونا لربما ينتظرنا في المستقبل كورونات .نأمل لا ،   لكن الاحتمال وارد في عالم كله صراع ويعمل على تدمير البشرية والإنسانية .

  هناك توجّه إيجابي حدث  وهو ما لفت  نظري  في كل أزمة  حيث عاد الكثيرون  للأرض، ففي الانتفاضات وفي حرب الخليج أغلقت المناطق فتوجّه الناس للأرض فهي  الأم التي تحضن أولادها . وكان اللجوء للأرض وقت الازمات وهذا ليس خطأ إنّه مطلب ولكن لماذا في الأزمات ؟ إنّ  الارض هي الأم والخير في كل الاوقات . هل نتراجع بعد الكورونا ونهجرك يا أرضنا يا حبنا . الأرض تعطي الاكتفاء لذلك هي ملجأ في الأزمات لأن المطلوب الاكتفاء . وبعد الأزمة لن  يقنع الناس بالقليل انما مظاهر الحياة مكلفة  والناس اعتادت عليها . هلى نتعلم من ازمة الكورونا ونقلل من تكاليف مظاهر تنتهي في وقتها ونخطّط لمواجهة اي ازمة مستقبلية بادخار ولو القليل لمواجهة المجهول في عالم اليوم عالم المفاجآت ؟.

وما لفت النظر أيضا توجه الناس الى سؤال الخالق لإنهاء  الكارثة .كم كانوا بعيدين عن الخالق !. إنّ   الحقد المنتشر في العالم والكراهية وعدم تقبل الآخر والعنصرية  كلها طرق تبعد الناس عن الخالق . فالذين ماتوا في زمن الكورونا في فلسطين بالقتل أكثر من الذين ماتوا بوباء كورونا . إن فقدان المحبة أخطر من الكورونا .  جاء الوقت لننمي تلك المحبة .  كيف تكره أخاك وتدّعي محبة الله؟ . من لا يستطيع أن يحب اخاه الذي يراه كيف يحب الله الذي لا يراه . من لا يحب أخاه لا يستطيع أن يحب الله.